سياسة

راشد الغنوشي : أنقذوا الديمقراطية التونسية من قبضة قيس سعيّد

نشر رئيس البرلمان المجمّد راشد الغنوشي مقالا بموقع صحيفة ”أندبندنت” البريطانية يوم الثلاثاء 10 أوت 2021 ندد من خلالها بالإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية بتاريخ 25 جويلية 2021 تفعيلا للفصل 80 من الدستور،
والتي اعتبرها الغنوشي ضربة موجعة للديمقراطية التونسية الناشئة، لما أمر الرئيس المؤسسة العسكرية بتطويق البرلمان ومنع انعقاد جلساته ولم يكتف بهذا الحد، بل أقال حكومة بأكملها وعزل بعض الولاة والمسؤولين السامين واحتكر السلطة التنفيذية وعيّن نفسه مدعيا عاما يصدر تحاجير السفر على القضاة والسياسيين، من وجهة نظر الغنوشي الذي أضاف قائلا لحسن الحظ لم يصاحب هذه الإجراءات حمام دم ولا مصادمات ولكن لا يوجد للحوار بديلا حتى تخرج البلاد من أزمتها وفق تصوره، وفيما يلي المقال كاملا:

قبل ستة أعوام منحت جائزة نوبل للسلام لرباعية الحوار الوطني التونسي لجهودها بالتعاون مع القوى السياسية، من أجل إقامة ديمقراطية تعددية في تونس.
وقد تم لها ذلك عبر الحوار وإنشاء عملية سياسية سلمية جامعة أفضت إلى تبني دستور رائد يمكن لجميع التونسيين أن يفخروا به. وعلى مدى عقد من الزمن كانت الانتخابات والتعددية السياسية في مناخ من الحرية، والمحاسبة والشفافية، هي الوضع الطبيعي في تونس.
أما اليوم فقد باتت هذه التركة في خطر شديد، حيث وضعت إجراءات أعلن عنها قبل أسبوعين قيس سعيد، رئيس تونس – مهد الربيع العربي، رحلتنا الوليدة والهشة تجاه الديمقراطية في خطر. نهض شعب تونس قبل عقد من الزمن وأسقط النظام الدكتاتوري، وفتح الباب أما عهد جديد من الحرية والديمقراطية.
إلا أن الرئيس سعيد بادر بتعليق البرلمان لمدة شهر وأقال رئيس الوزراء وتولى كافة السلطات التنفيذية، وعين نفسه مدعياً عاماً. وأمر دبابات الجيش والجنود بالانتشار حول مبنى البرلمان، وعندما حاولت أنا وزملائي – وجميعنا أعضاء منتخبون ديمقراطياً في البرلمان – الدخول إلى مبنى البرلمان، قيل لنا من قبل الجنود إن لديهم أوامر بمنعنا.
لجميع من يدعمون الحرية نقول إنه آن الأوان لكي تقفوا مع ديمقراطية تونس. نحن نعلم كيف ينتهي في العادة الاستيلاء على السلطة. فقد رأينا مداهمة مكاتب وسائل الإعلام، ومنع الصحفيين من القيام بعملهم، وإقالة الوزراء وحكام الأقاليم، وإلقاء القبض على القضاة والزعماء السياسيين ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وقرارات بالجملة تمنع القضاة والمحامين والسياسيين ورجال الأعمال ونشطاء المجتمع المدني من السفر.
نحمد الله أنه أمكن حتى الآن تجنب سفك الدماء. في يوم الاثنين الذي تلا إعلان الرئيس قيس سعيد بدأ أنصار البرلمان في التجمع والاعتصام أمام مبنى البرلمان، فرجوت الجميع بأن ينفضوا خشية من اندلاع مواجهات قد ينجم عنها إزهاق أرواح. طالبنا بالهدوء وباليقظة، مركزين جهودنا على الدعوة إلى حوار جامع وغير مشروط يشمل جميع اللاعبين السياسيين والاجتماعيين من أجل إنهاء الأزمة الخانقة في تونس.
لقد ساعدنا الحوار من قبل في عام 2013 عندما تغلبنا على أزمة سياسية خطيرة جداً. إلا أن الرئيس ما زال يرفض حتى الآن الدعوات للحوار، ولكننا نرجو أن تسود الحكمة في النهاية.
يمكننا عبر الحوار أن نصل إلى اتفاق حول سبل الخروج من الأزمة، والتي ينبغي أن تشمل عدم تجديد فترة تعليق البرلمان لثلاثين يوماً وترشيح الرئيس لرئيس وزراء ولحكومة يصوت عليها البرلمان. هذا بالإضافة إلى الاتفاق على إصلاحات اقتصادية وسياسية تحتاجها البلاد تناط بالحكومة القادمة مهمة العمل عليها.
من أجل أن تكون الحكومة شرعية لا بد من التراجع عن قرار تعليق البرلمان، وينبغي أن يعود البرلمان إلى الاجتماع للتصويت على الحكومة الجديدة. وبهذا يمكن أن تستعاد الإرادة الديمقراطية للتونسيين ويمكن أن يوضع حد لهذه السابقة الخطيرة المتمثلة بانتهاك الدستور.
من حق التونسيين أن يغضبوا – فوعد الثورة التونسية لم يتحقق بعد رغم مرور عشر سنين على الانتقال. تعرض اقتصادنا لسلسلة من الصدمات التي أوهنته، وزاد الطين بلة كوفيد 19 والآثار المترتبة عليه. ومن حق الناس أن يقلقوا بسبب انعدام الأمن، وأن يقلقوا على معيشتهم وصحتهم، كما أنهم مصابون بالإحباط بسبب الاقتتال بين الزعماء الذين كان أحرى بهم أن يركزوا على معالجة هذه التحديات.
ولكننا لا يمكن أن نسمح لهذه التحديات بأن تقودنا إلى دكتاتورية جديدة. فقد قدم ما لا يحصى عدده من التونسيين أرواحهم وضحوا في سبيل بناء نظام ديمقراطي يمكنه أن يحمي حرياتهم ويوفر لهم العدالة الاجتماعية والكرامة.
حاولنا على مدى عشرة أعوام بناء بلد ديمقراطي ومزدهر يستحقه الشعب التونسي الذي نهض بشجاعة وواجه الدكتاتورية في عام 2011 للمطالبة بحقوقه. يمكن للاقتصاد أن يتذبذب، وهو قابل للإصلاح، أما الحريات فحالما تسلب سيكون من الصعب جداً استعادتها. ليس ما أقمناه خلواً من العيوب، ولكنه يوفر أفضل فرصة لتونس أفضل.
نتطلع الآن لأن يقف التونسيون من جميع المنابت والقناعات دعماً للديمقراطية، وندعو الرئيس قيس سعيد للانسحاب من حافة الهوة وأن يشارك في حوار سياسي جامع.
يتم الآن، وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي، إطفاء الديمقراطية التونسية، منارة الأمل في العالم العربي، من خلال نمط من الأحداث بات مألوفاً جداً. لا يمكننا السماح لذلك بأن يحصل .
عربي21
الثلاثاء، 10 أوت 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى