أبو يعرب المرزوقي يهاجم قيس سعيد: خطاب تهنئة بالعيد، أم مرافعة للدفاع عن مشروع سياسي أخرق؟
مقال راي كتبه استاذ الفلسفة ابو يعرب المرزوقي
في البداية لم أصدق ما يقال عما وجد في الوطية.
كنت أتصور أن المشرفين عليها كانوا سيعدمون كل الوثائق التي تثبت جرائمهم.
لكن يبدو أن الأمر صحيح وذلك بقرينتين لأني لا أصدق ما لم تكن لدي قرائن على الأقل تمكن من التأويل المرجح في غياب الادلة المادية.
فأما القرينة الأولى فهي التوقف الفجائي والسريع بعد زيارة الأقرع سفير فرنسا للزغراطة مع شمول التوقف جملة من المتصدرين لحملة الإطاحة بمجلس النواب ما يجعل الإيقاف جاء بأمر من “مسؤول كبير” واحد وأن الأمر به كان حازما ولا يقبل التأجيل.
وهذا يذكرني بهاتف ماكرون الليلي الذي نتج عنه تعيين وزير أول لا ينتسب إلى أي حزب “حي” وليس مجمدا في سبات شتوي منذ نهاية الترويكا وأثبتت مشاركته في الانتخابين النيابي والرئاسي أنه من جماعة صفر فاصل وأنه ذو جنسية فرنسية.
ولما كنت لا أقول ما لا يستسيغه عقلي فإني أسخر مثلا ممن يدعي أني اتهمت الرئيس بانه شيعي.
فأولا أنا لا اعتبر خيار الإنسان مذهبه تهمة لإيماني بالحرية العقدية. وقد قلت نصا في مقالاتي أن ذلك لا يعنيني حتى لو كان “كرنكاتي”.
وثانيا ما قلته وما زلت مصرا عليه هو أنه في خدمة أجندة شيعية وماركسية مستدلا على ذلك بخطابه المتشابه ذي الطابع الباطني المعتمد على التقية وخاصة ادعاء محاكاة الفاروق ثم بطاقم ديوانه وخاصة بتهميش من كان فيه ولا ينتسب إلى هذين الرهطين بالمتكلمين باسمه والمدافعين عنه إذا ما استثنينا الطماعة من فضلات ديوان المرزوقي الباحثين عن “كريسي”.
وأما القرينة الثانية فهي علة إيرادي هذا المثال ذي العلاقة بها لأنها من نفس الطبيعة التي جعلته يعين وزيرا أولا -بمقتضى تصريح المرشح الذي قال إنه سيحكم بحسب برنامج الرئيس وليس بحسب البرنامج التي يوافق عليه المجلس حسب الدستور فلا يكون رئيس حكومة- تعيينه من لم يكن أحد يتوقعه.
فمن عجائب الدهر أن الرئيس لم يكن نائما طيلة أكثر من أسبوعين لما كان يعلنه دعاة الفوضى وتهديم مؤسسات الدولة التي تعارض مشروعه لكنه لم يحرك ساكنا تماما كما لم يتحرك لما طلعت حكاية الوردانين ولم يتحرك لما بدأت الحرائق في المؤسسات الاقتصادية.
ثم فجأة وفي مناسبة لا تسمح بالكلام في الموضوع – لأنها تهاني بالعيد – سارع وكأنه مأمور بألا يتراخى بالتنديد الواضح والحاسم بأصحاب هذه الدعوات.
لذلك فعندي أن المسؤول الكبير الذي أمر الزغراطة هو عينه الذي امره بأن يفعل وبسرعة.
وتلك علة الجمع بين التهاني والإعلان عن موقفه من التحرك الإجرامي ولكن مع التذكير بتغيير استراتيجية برنامجه وهي لعمري أخطر حتى من تحرك الحفتريش الذين لا وزن لهم في ميزان القوى في تونس التي عرفت من هم أشد منهم بأسها وانتصرت عليهم.
ولما كنت لأعتقد أن التحرك تغيرت طبيعته الإجرامية بين ليلة وضحاها فإن الإسراع في الكلام فيه بعد صمت مريب لا بد أن يكون له دافع قاهر: ولا يكون هذا الدافع القاهر والعاجل غير أمر المسؤول الكبير كما قال المرحوم السبسي سابقا.
أما الأمر الأخطر من ذلك كله فهو ما يمكن وصفه بـ”رب عذر أقبح من ذنب” فهو أشبه بمن يعترف بأنه سيغير الاستراتيجية ليحقق المشروعية بعد أن شعر بأن الاعتماد على شرعية الانتخاب الذي يشبه التفويض لم تعد كافية لإعطائه مشروعية الخروج عن الدستور الحالي.
فقدم خطة مشروعات القوانين وأوحى بما يفيد أنه تحميل مسؤولية فشلها لغيره وليس للمشروعات التي يقترحها والتي تهدد السلم الأهلية والاقتصاد الوطني.
فهي تهدد السلم الأهلية لأنه يعني بها أولا المس بالدستور ليس بما يفرضه الدستور من شروط تغييره بل بتهديد من لا يوافق على مشروعه بأنه يعطل عمله. فيكون الهدف من جنس الابتزاز بحل الدستور عندما تعثر تشكيل حكومة الفخفاخ.
وهي تهدد الاقتصاد الوطني لأن كلامه على المحاسبة بذلك الاسلوب الفج يعني ما قد يجعل كل أرباب العمل يفرون من المشاركة في إعادة بناء الاقتصاد الوطني بعد جائحة كورونا وجائحة الفساد وجائحة الاقتصاد الموازي وهي ثلاث جوائح تحتاج إلى حكمة وروية وليس التهديد والوعيد.
ذلك هو ما فهمته من خطابه المتشنج. والتشنج حسب رأيي لا يستدعيه تهنئة الشعب بعيد الفطر بل “الشعور” بالهزيمة بعد أن أمر بالتخلي على الخطة الأولى التي سكت عنها بل وساهم فيه كما تبينه خطاباته منذ تنصيبه وخاصة أكبر جريمة لم تحصل أبدا في تاريخ تونس.
وأقصد محاولة توريط الجيش الوطني الجمهوري في خزعبلاته وإلا لما كان يوجد مبرر لخطاباته السياسية والفتنوية أمام قيادات الجيش الذين من واجبهم عدم التدخل في الشأن السياسي وخاصة في صراعات القوى السياسية التي هي من فضائل الديموقراطية ما ظلت سلمية.
ولا يمكن أن يبرر ما فعل بحسن النية لأنه يدعي أنه “علامة” في القانون والمفروض يعلم أن ذلك عمل فيه بداية التشجيع على توريط الجيش واعداده لما يحقق به مشروعه ومشروع فريقه المزعوم “ثوريا”. وآمل أن يفهم أن ما فعله في تغيير الاستراتيجية هو ما يقبل التسمية بالحكمة الشعبية “رب عذر أقبح من ذنب”:
فتكون الخطة “ب” في حالة الانقلاب الشارعي الرجل اللجوء إلى ما يمكن أن يعتبر التشجيع على البيان رقم 1 من قوة الجيش الذي قد يضطر للتدخل لإيقاف الفوضى المفتعلة لمنعها وحفظ أمن الوطن لكأنه يريد دفعه رغم أنفه: وهذه جريمة من طبيعة إرهابية ولما كان الدافع اليها هو رئيس الدولة فهي خيانة عظمى.