محمد الحبيب بن رمضان: من المهجر إلى مدغشقر… تونسي يرسم طريقًا آخر إلى إفريقيا

في زمنٍ بات فيه الحلم التونسي مرهونًا بتأشيرة إلى أوروبا، اختار محمد الحبيب بن رمضان أن يُبحر عكس التيار. لا نحو الشمال، بل نحو الجنوب. وتحديدًا نحو جزيرة مدغشقر، تلك الرقعة المنسية من الخيال الاستعماري، والتي تحوّلت في نظر هذا المهندس المعماري إلى أرض للفرص غير المستغلة.
لم يكن المشروع مدروسًا على الورق. عرض عمل بسيط جاءه من أحد الأقارب غيّر مسار حياته بالكامل. لم يكن الراتب مغريًا، ولم تكن الظروف مضمونة، لكن الفكرة التي حملها بن رمضان كانت أعمق: تجربة الحياة من نافذة أخرى، بعيدًا عن الحسابات التقليدية.
الرهان على الجودة… لا على الكمّ
لم ينتظر محمد كثيرًا حتى أطلق شركته الخاصة في قلب العاصمة أنتاناناريفو. لم تكن البداية سهلة، لكنه اعتمد على سلاح نادر: الجودة والانضباط. في محيط يشكو من هشاشة البنية المؤسساتية، برزت شركته كواحة احترافية وسط العشوائية. شيئا فشيئا، تحوّلت الشركة إلى مجموعة أعمال تخترق مجالات الهندسة، الاستشارة، والبناء.
لكن الطموح لدى بن رمضان لم يكن مهنيًا فقط، بل أيضًا مجتمعيًا وثقافيًا. فمن رحم الغربة، وُلدت فكرة تأسيس ودادية التونسيين بمدغشقر، كفضاء جامع بين أبناء الجالية، رغم قلّتهم الجغرافية والعددية. ومن الودادية إلى خطوة أشمل: إطلاق الغرفة الاقتصادية التونسية الملغاشية.
“إفريقيا ليست بديلًا… بل أفقًا”
في حديثه، لا يخفي بن رمضان قناعته العميقة بأن إفريقيا هي الامتداد الطبيعي لتونس، لا مجرد خيار طارئ. يرى أن أوروبا أصبحت مشبعة، بينما إفريقيا ما تزال بكراً، تتطلع إلى شراكات نوعية. يتحدّث عن مدغشقر كـ”منصة استراتيجية” على ضفاف المحيط الهندي، قادرة على ربط تونس بالشرق الإفريقي.
ويستعد الرجل اليوم لتنظيم الأيام الاقتصادية التونسية الملغاشية في مارس 2026، وهي تظاهرة يراها أكثر من مجرد ملتقى أعمال، بل نقطة تحول في تموقع تونس ضمن النسيج الاقتصادي الإفريقي.
تجربة شخصية… وتحذير من التردد
قصة محمد الحبيب بن رمضان ليست فقط قصة نجاح مهني، بل رسالة ضمنية إلى جيل يبحث عن ذاته وسط الأزمات. يقول إن الخروج من “منطقة الراحة” ليس رفاهًا، بل ضرورة وجودية. “أدعو رجال الأعمال التونسيين إلى التوجه نحو إفريقيا، لا كمغامرة، بل كخيار استراتيجي. الفرص موجودة، لكنها لا تنتظر المترددين”، يؤكد بثقة.
في مدغشقر، لم يؤسس محمد الحبيب بن رمضان فقط شركات أو مؤسسات، بل فتح بوابة ذهنية جديدة. بوابة تنقل تونس من استيراد الحلم الأوروبي إلى تصدير النموذج التونسي في العمق الإفريقي. نموذج يتطلّب شجاعة، رؤية، وإيمانًا بأن الجنوب لم يعد مجرد خلفية جغرافية… بل مستقبل كامل.