هل تتّجه تونس نحو صلح اقتصادي مع رجال الأعمال مقابل مشاريع تنموية للصالح العام واعادة تنشيط الاقتصاد ؟

تعيش تونس منذ أربع سنوات على وقع سلسلة من الإيقافات والتحقيقات التي شملت عشرات رجال الأعمال التونسيين في ملفات ذات طابع اقتصادي ومالي، تتعلّق أساسًا بتصرّفهم في الشركات واستثماراتهم في فترات مختلفة. وقد تمّ تبرير هذه الحملة، في جزء كبير منها، برغبة الدولة في مكافحة الفساد وترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون، بما يعزّز هيبة الدولة ويضع حدًّا لكلّ أشكال التجاوزات.
لكن، ورغم وجاهة هذا التوجّه من حيث المبدأ، فإنّ المقاربة الزجرية البحتة كان لها تأثيرات سلبية على النسيج الاقتصادي الوطني. فقد أدّت إلى تعطّل عديد الأنشطة، وتجميد استثمارات بمئات الملايين من الدنانير، إلى جانب خلق مناخ من التوجّس والخوف في أوساط المستثمرين، ما أضعف روح المبادرة وأثر على نسق النمو وخلق فرص العمل.
من هنا، بدأ يتزايد الحديث في الأوساط الاقتصادية والسياسية عن ضرورة اعتماد مقاربة ثالثة أكثر توازنًا، تقوم على المحاسبة دون التدمير، والصلح دون الإفلات من العقاب.
هذه المقاربة يمكن أن تُترجم عمليًا عبر اتفاقات صلح اقتصادي تُمكّن رجال الأعمال الذين وُجهت لهم اتهامات في قضايا اقتصادية من تسوية أوضاعهم مع الدولة، عبر دفع تعويضات مالية أو إنجاز مشاريع تنموية واجتماعية لفائدة المناطق الداخلية أو الفئات الهشة، بما يُعيد إدماجهم في الدورة الاقتصادية بشكل نافع للبلاد.
تجارب مماثلة نُفّذت في دول مثل المغرب، إيطاليا، وتشيلي، حيث اختارت الحكومات فتح باب المصالحة الاقتصادية المشروطة، فنجحت في استرجاع أموالٍ ضخمة للخزينة العمومية، مع الحفاظ على استمرارية المؤسسات ودفع عجلة الاستثمار.
في تونس، تشير بعض المصادر في الآونة الأخيرة إلى أنّ رئيس الجمهورية قد يتّجه نحو تفعيل مقاربة صلحية جديدة، مغايرة لتلك التي تضمّنها مشروع “الصلح الجزائي” الذي واجه عراقيل إجرائية وتنفيذية. النسخة الجديدة قد تقوم على ربط الصلح بتنفيذ مشاريع فعلية للصالح العام في مجالات كالبنية التحتية، التعليم، الصحة أو التشغيل، مع مراعاة الوضعية المالية الحقيقية لكلّ رجل أعمال، حتى تكون العدالة متوازنة وفعالة في آنٍ واحد.
إنّ اعتماد مثل هذه المقاربة من شأنه أن يُعيد الثقة بين الدولة ورجال الأعمال، ويُنعش مناخ الاستثمار، ويبعث رسالة واضحة مفادها أنّ تونس تسعى نحو إصلاح اقتصادي متوازن يُعلي من شأن القانون، دون أن يضرب في العمق مصالح الاقتصاد الوطني.
فهل تكون المرحلة القادمة مرحلة “الصلح من أجل النمو”؟
وهل سنشهد قريبًا إطلاق مبادرة وطنية تجمع بين المساءلة والعدالة الاقتصادية، تفتح صفحة جديدة بين الدولة ومجتمع الأعمال وتُعيد لتونس حيويتها الاقتصادية المفقودة؟



