في اعترافات خطيرة / كريم عبد السلام :النهضة اخترقت الجيش والأمن والتجمع .. الغنوشي رئيس جهازها الخاص ..
قدم كريم عبد السلام الخبير في العدالة الإنتقالية حاليا واحد العناصر المخططة والمنفذة لعملية باب سويقة في التسعينات شهادته عن تلك الفترة المعروفة بفترة المواجهة مع نظام بن علي. شهادة تضمنت تفاصيل عن اختراق النهضة عدد من الاجهزة منها التجمع وعن الدور الذي لعبه داخل هذا الحزب الحاكم كجاسوس للحركة وايضا عن التنظيم العسكري والاستعلاماتي للنهضة وعن دور عدد من القيادات منهم عبد الحميد الجلاصي .
عبد السلام حُكم عليه بـ13 سنة سجنا ، ويُقدم باعتباره العقل المدبر والمنفذ لعملية باب سويقة ، اكد ايضا صحة الاتهامات التي وجهتها وزارة الداخلية زمن عبد الله القلال وتحديدا تخطيط النهضة للانقضاض على الحكم عبر عمليات دموية .
التنظيم العسكري
اكد كريم عبد السلام ان اللغز الذي لا احد فك شفرته حتى اليوم هو الطرف الذي اوقف تنفيذ انقلاب 8 نوفمبر 1987 مبينا ان لا احد يعلم من كان وراء قرار االايقاف لافتا في سياق متصل الى ان جهزة استخبارات اجنبية علمت بمخطط الانقلاب العسكري للنهضة واعلمت بن علي بذلك .
وقال في شهادته في برنامج ” الانتريفيو” مع الاعلامي شاكر بسباس على اذاعة “شمس” ان النهضة دعت الى تهييج الشارع عقب ايقاف رئيسها راشد الغنوشي والحكم عليه بالاعدام مبرزا ان تحريك الشارع كانت ستتبعه في استراتيجية الحركة عمليات نوعية قال انها تزامنت مع ترهل النظام خلال سنة 1987 بسبب ازمة اقتصادية ومالية حادة ودخول البلاد في اصلاحات ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وذكر انه خلال تلك الفترة كان هناك مخطط لانقلاب عسكري اسقطه انقلاب بن علي او ما عرف بعملية 8 نوفمبر 1987 معتبرا ان بن علي دخل على الخط وان النهضة قررت تنفيذ انقلاب على بورقيبة واعدت له وان مدبريه كانوا ينتظرون ساعة الصفر لتنفيذه وانه تم الغاء تنفيذه بتدخل من الاستخبارات الامريكية والايطالية التي قال انها دعمت عملية اخرى مشابهة هي انقلاب بن علي وامر الحرس الوطني وقتها الحبيب عمار.
ولفت الى ان تسريبا من الاستخبارات الايطالية والامريكية اسقط انقلاب النهضة ودعم انقلاب بن علي مشددا على ان السؤال المطروح الى حد اليوم والذي اعتبر انه بقي لغزا هو من كان وراء قرار الغاء انقلاب النهضة.
واشار الى ان السردية العامة حول هذا الموضوع تبرز ان اتصالا هاتفيا امر بايقاف التنفيذ وان قياديين من النهضة قد يكونان وراء هذا القرار، الاول هو المنصف بن سالم والثاني هو السيد الفرجاني الذي وصفه بعنصر الارتكاز في التنظيم العسكري.
كما اكد ان النهضة جهزت لهذا الانقلاب منذ اواخر السبعينات وانها نجحت في اختراق وزرع موالين لها في اجهزة الامن والجيش وفي مراكز حساسة داخل الدولة وان اول مؤشر لوجود هذا الجهاز كان سنة 1987 .
ولفت الى ان تفاصيل هذا الجهاز لم تكن متداولة داخل تنظيم الحركة وانه لم يتم ذكره في مكاتبها ولا خلاياها او مؤتمراتها معتبرا ان هذا الجهاز الخاص كان مربوطا راسا برئيس الحركة راشد الغنوشي.
وكشف كريم عبد السلام الذي تحدث لاول مرة في الاعلام عن شهادته لفترة الانتماء لحركة النهضة ودوره في جريمة باب سويقة ، ان لا احد كان يعرف تركيبة التنظيم العسكري مضيفا بالقول “من القيادات التي اعرفها من التنظيم العسكري يوجد الصادق شورو الذي انطلق في عملية الاقتحام ونظّم عملية الدخول للأكاديمية العسكرية باعتبار انه كان هو واخوه يدرسان في الاكاديمية وكانت النهضة في تلك الفترة تشجع كل من ينجح في الباكالوريا على الالتحاق بالاكاديمية العسكرية .
وقال انه مع انكشاف مخطط الانقلاب امر بن علي اثر تسلمه السلطة بمراجعة الدورات التي اشرف عليها شورو مشددا على ان النهضة نجحت في اختراق الجيش والامن وان عددا من منتسبيها تبوؤوا حتى مراكز قيادية داخل الجيش والامن.
وأضاف “تغيرت الامر خلال التسعينات بعد اول ظهور للجهاز العسكري لحركة النهضة سنة 87 اين تم القبض عليهم … حتى قيادات بالنهضة لم يكونوا على علم بوجود تنظيم عسكري او غير عسكري للحركة ..لم تكن المسألة متداولة …تنظيميا وهيكليا كان هذا الجهاز مرتبطا برئيس الحركة”.
وتابع “بعد 87 اصبح الذراع العسكري لحركة النهضة قويا على المستوى الداخلي واصبح الجميع على علم بهذا… .. تم القبض على مجموعة الانقاذ واطلاق سراح راشد الغنوشي والمجموعة المرافقة له واصدار العفو التشريعي العام ثم خرجت مجموعة الانقاذ سنة 89 وبعد المفاوضات مع بن علي تبين انه غير قادر على التعاطي معهم واعطائهم حجم كحزب سياسي كبير وحدثت اشكالية عدم الاعتراف بهم جزئيا وكان النظام من جهته بين خيارين : اما الابقاء على الحزب الاشتراكي الدستوري او تاسيس حزب جديد ..السياق كله كان متشابكا مع بعضه”.
وواصل “انتهى الامر ببن علي للابقاء على الحزب الاشتراكي الدستوري وتحويله الى التجمع الدستوري الديمقراطي وتدعيمه بقيادات جديدة من العائلة الديمقراطية او من بعض المعارضين القدامى من اليسار او القوميين او غيرهم..ومع هذا كانت هناك بالفعل قطيعة في التعاطي مع الحركة الاسلامية والاسلام السياسي”.
وقال “توجهت جميع الاطراف سنة 89 لانتخابات وكان التفاهم او التفاوض على ان تكون حركة النهضة ممثلة جزئيا في بعض الدوائر وان تكون ممثلة في البرلمان بعدد محدود من النواب …بعد الاتفاق مع النظام قررت حركة النهضة الدخول في 24 دائرة وهو ليس قرار المؤسسات بقدر ما كان قرار الافراد والى حد الآن لا يتحملون مسؤولية هذا القرار والذي كان وراء توجس النظام وقتها من عدم احترامهم الاتفاقات خاصة أنّه كان هناك تغول كبير فهذا المعطى بثّ الخوف في النظام الجديد أكثر وجعله يرتمي في احضان الاخرين “.
وأضاف “بعد تزوير الانتخابات الذي اصبح معطى واضحا وكرد فعل من حركة النهضة قررت الدخول في مواجهة شاملة مع النظام وتم التصويت داخلها على خطّة فرض الحريات التي جاءت قبل تحرير المبادرة… تم التصويت على خطة فرض الحريات في المؤتمر الخامس ….وفرض الحريات هي مجموعة من الخطوات لاجبار النظام على التعامل مع الحركة او استبداله …فرض الحريات احتمل كل التأويلات ولكن التنزيل كان في اتجاه تبديل النظام واعتمد نفس الخطة التي اعتمدها عام 87 مثل تجييش الشارع لاستهداف النظام ويتم ذلك بعملية عسكرية اخرى”.
وأوضح “فرض الحريات مرّ بـ3 محطّات : اعتمدت الاولى على سياسة التجييش والتشجيع على مواجهة النظام وبدأت حملة دعوية او تحشيدية داخل التنظيم وشملت الدوائر الخارجية القريبة من التنظيم وانصار حركة النهضة ضمن لقاءات عامة شعبية في المساجد وكان يقوم بها الشيخ اسلام وصالح البوغانمي وخميس الماجري ومجموعة من الرموز الدعوية التي تتحرك في المساجد وخرج التنظيم مباشرة الى الساحة العامة للاستقطاب وتحضيرالجيش الذي سيقود هذه المواجهة ..استغرق الامر 3 اشهر للتحشيد من خلال دروس تم فيها التاكيد على قيم الشهادة والاستشهاد وظلم النظام وجرم السكوت عن الظلم…تهييج عاطفي ونفسي وذهني لهذا الجمهور العريض وكانت الخطة الثانية هي استكمال شروط الاستعصاء وهي استهداف النظام رأسا تزامنا مع حرب الخليج فكانت مسيرات حرب الخليج ..الناس خرجت مساندة للعراق وضمنيا كانت هناك مواجهة بين النظام وبين حركة النهضة التي خططت لاستهداف المنقولات عبر ضربها بـ”المولوتوف” وحرق المقرات الامنية واستهداف الشعب…حرقت مقرات للشعب ومراكز وعدة سيارات امن”.
وتابع “التجمع الدستوري الديمقراطي حشد بدوره من اجل المعركة وصدّ هذا الهجوم باستدعاء الميليشيات التي بدأت تحرس المقرات في حركات استفزازية متبادلة بين حركة النهضة ومجموعات التجمع وسقطت ضحايا بينهما وعندما انتهت حرب الخليج سريعا اصبحت المواجهة رأسا برأس ولم تعد هناك تغطية…النظام استفاد من هذا ولهذا موقفه في حرب الخليج لم يكن مبدئيا بقدر ما كان براغماتيا”.
جاسوس في التجمع
قال عبد السلام عن كيفية دخول التجمع كجاسوس للنهضة” جاءت الفرصة لأدخل التجمع وعدت للتنظيم لاعلمهم بانني انتخبت في المكتب الجهوي للشبيبة المدرسية التي كانت وقتها معطلة جدا باعتبار انه تمّ اختراقها وافتكاكها من طرف العمل التلمذي التابع لحركة النهضة وبعد ذلك تمت تزكيتي في المكتب الجهوي واقترحت عليهم وتمت احالتي على دائرة الاستعلامات وهي جهاز استخباراتي يحين المعلومات والتقارير وكان حهاز الاستخبارات هذا منفصلا تماما على الحهاز العسكري..
واضاف” دخلت التجمع ووجدت انه يعاني من اشكاليات داخلية وقطعت علاقتي بالتنظيم واصبح لدي عنصر اتصال وحيد اسلمه التقارير والاخبار كل اسبوع او اسبوعين حسب الاحتياج”.
عن الدور الذي لعبه كجاسوس داخل التجمع ، كشف انه دخل التجمع خلال فترة صراع حادة بين الدستوريين المناضلين والوافدين الجدد الذين وصفهم بالمرتزقة مبينا ان عبقرية النهضة تتمثل في التلاعب بالحالة النفسية وحسن توظيف الوضعيات الاجتماعية وتحويلها الى منطلق لدور بطولي .
وابرز انه كان يرى نفسه شخصا فوق البشر يؤدي دورا بطوليا اهم من جيمس بوند لنصرة الحق على الباطل مذكرا بان تلك الفترة تزامت مع مرحلة ظلم امني واجتماعي .
ولفت الى انه كان يقدم التقارير من داخل خلية التجمع بباب سويقة الى الدائرة الاستعلامية بحركة النهضة وان من بين المعلومات التي قدمها للنهضة هويات القيادات التي افتضح امرها وباتت مكشوفة لدى النظام والعمليات الافتراضية واخبار امنية .
وأبرز ان لجنة التنسيق بباب سويقة كانت تمثل ذراعا قويا ونقطة ارتكاز قوية بالنسبة للنظام باعتبارها كانت تردها التقرير الامنية والمهنية من مختلف مراكز الحكم مبينا ان تقاريرها كانت دقيقة وجامعة وان المعلومات التي كانت ترد عليها ذات حساسية مطلقة.
واعتبر انه دخل في جهازين قويين هما التجمع والنهضة وانه كان يرى نفسه في مهمة مقدسة تهدف لاسقاط منظومة ظلم وغبن امني وسياسي وانه لم يكن يقدر وقتها المخاطر .
وكشف ان اسمه الحركي كان يتغير باستمرار ذاكرا من بين الاسماء ” هيثم” ثم “مرشد” ثم “سفيان” وانه بقي جاسوسا داخل التجمع طيلة سنة و7 اشهر .
عملية باب سويقة
تحدث عبد السلام عن المحطات التي سبقت عملية باب سويقة منها اتهام النهضة باستعمال ماء الفرق مبينا في هذا السياق ان أحد عناصر الحركة الإسلامية إستعمل ماء الفرق في مرحلة ما كنوع من التهديدات الموجهة للنظام في صورته الرمزية وانها لم تكن موجهة للأشخاص.
وقال ” خلافا للسرديات العامة فإنه تم إستعمال ماء الفرق مرتين فقط بين 86 وبداية التسعينات وكانت عملية منزلة ومنظمة ضمن خطة واضحة ولم تكن عشوائية”.
واضاف “اعتمدت الحركة الإسلامية في تلك الفترة أوقات الذروة في المحطات العامة….خلال سنوت ال70 وال80 كانت الزجاجات الحارقة التي تستعمل تعتبر وسيط مقاومة اما حاليا وقد تغير العصر فهي تعتبر سلاحا عنيفا للقتل.
واعتبر المتحدث ان عملية باب سويقة لم تكن عملية معزولة وانه كانت قبلها سياقات وقرارات وتلتها سياقات وقرارات. مؤكدا انه على من ينفي هذه العملية نفي المسار برمته .
واضاف” من ينفي العملية ينفي كل السياق والمسار ..المؤتمر قام بتنزيل خطة التحشيد والتحضير ثم استكمال شروط الاستعصاء ثم فتح باب المبادرة .. تم الاعداد لهذه العملية قبل شهرين او ثلاث من تنفيذيها وطرحت فرضيات عديدة اخرى منها تاديب رموز القوادة في المنطقة” .
وجدد التاكيد على ان عملية باب سويقة تعتبر عملية ” ممنهجة ضمن خطة منزلة في خطواتها الزمنية اعلن عنها ضمن تحرير المبادرة “.
وقال انه كان مطروحا استهداف القوادة او تهديدهم بوضع علامات على منازلهم او القيام بعمليات نوعية تستهدف الشعب التجمعية والمقرات الامنية والسيادية وانه تم في الاخير تبني هذا الخيار منتقدا عدم اعتراف النهضة بهذه العمليات التي قال انها كانت ضمن عمليات ممنهجة وانها كانت ضمن خطة واضحة ومتدرجة زمنيا ومحددة اعلن عنها بشكل واضح عبد الله القلال وزير الداخلية انذاك في ماي 1991 مقرا بذلك بصحة التهم المنسوبة لقيادات من النهضة والتي كانت وراء اصدار احكام مشددة بالسجن في حقهم .
وقال ان رائد عملية تحرير المبادرة هو القيادي المستقيل من النهضة عبد الحميد الجلاصي داعيا اياه الى االحديث عن الدور الذي لعبه في مواجهة النظام خلال التسعينات .
وقال متحدثا عن الجلاصي” اريد ان احييه واقول له ان المراجعات هي مسار ذهني طويل .. ارجو منه ان يحدثنا عن دوره خلال فترة التسعينيت وهو الذي كان رائد تلك الفترة ..يحكيلنا شنوة عمل بالضبط وهو من كان وراء الدعوة للمواجهة الاستثنائية … هو من حرض على استهداف المقرات والاحزاب والمؤسسات التربوية .. اغلب المعاهد والجامعات حُرقت… هذا ليس من باب الخيال العلمي … هذا مسجل وموثق واتحدث عن وقائع حصلت بعد عملية باب سويقة .