روما تتوسّع في المتوسط والمياه الإقليمية التونسية مهدّدة!
في شهر سبتمبر الماضي، أطلقت الجزائر وإيطاليا، مفاوضات رسمية لترسيم حدودهما المشتركة في البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعد سنة ونصف من إصدار الرئاسة الجزائرية مرسوما أعلنت بموجبه عن منطقة اقتصادية خالصة ملاصقة لبحرها الإقليمي، موظفة حقها الممنوح بموجب المادة 55 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982.
المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتي تأتي ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، هي منطقة بحرية تمارس عليها دولة حقوقا خاصة في الاستغلال واستخدام الموارد البحرية، وتمتد إلى مئتي ميل بحري بحسب اتفاقية 198. وقد كان أهم دافع وراء إعلان الجزائر عن منطقتها البحرية ”الجديدة”، رغبتها في استكشاف واستغلال مواردها الطبيعية غير الحية لا سيما النفط والغاز الحبيسان في جرفها القاري.
الخطوة التي قامت بها الجزائر، في إطار القانون الدولي، لم ترق لإيطاليا التي أصبحت ترى نفسها أكبر من مياهها الإقليمية، وأصبحت بدورها ترغب في إنشاء منطقتها الاقتصادية الخالصة. ولم تكتف إيطاليا بالدخول في مفاوضات مع الطرف الجزائري ومرّت بالتوازي مع ذلك إلى الجانب التشريعي.
المنطقة الاقتصادية الخاصة
في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وتحديدا في الخامس من نوفمبر، صادقت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإيطالي، على مشروع قانون تقدمت به حركة ”5 نجوم”، لإنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة بإيطاليا.
تعليقا على مشروع القانون وأهميته، قال ”بينو كابراس” رئيس الكتلة البرلمانية لحركة ”خمسة نجوم” إثر التصويت؛ ”ستكون إيطاليا مرة أخرى بطلاً في البحر الأبيض المتوسط ، وتضمن حقوق البحارة من خلال الاستغلال المتوازن للموارد السمكية، وستتمكن من حماية جزء كبير من البحر من الناحية البيئية، ليس هذا فقط: تصويت اليوم هو رد واضح على الجدل غير المجدي الذي اندلع في الأشهر الأخيرة في بحر سردينيا وحول التهديد المزعوم الذي تمثله الجزائر ودليل على أن بلادنا على هذه الجبهة لم تتعرض للسطو ولن تعاني أبدا”.
ونقلت صحيفة ”La Provincia del Sulcis Iglesiente” المحلية، عن ”كابراس” قوله، “بفضل تصويت اليوم، ستتم حماية مصالح الصيادين الإيطاليين من رحلات الصيد غير القانونية للقوارب التي تأتي من مناطق خارج البحر الأبيض المتوسط، وسيكون بمقدورهم أن يقرروا، بطريقة حصرية، كيفية استغلال الموارد المعدنية، وحماية المناظر الطبيعية السياحة الساحلية والبحرية…وإثر الانتهاء من إعادة التعريف القانوني الأكبر للإقليم في تاريخ الجمهورية ستكتسب جزيرة سردينيا مركزية جديدة في البحر الأبيض المتوسط وتتحول من جزيرة حدودية إلى موقع بري في المنطقة الاقتصادية الخالصة”.
وينص مشروع القانون (عدد 2313) على أن ”تمارس إيطاليا حقها ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة حقها في التنقيب عن الموارد الطبيعية واستغلالها وحفظها وإدارتها، بيولوجية كانت أم غير بيولوجية (في البحر وقاع البحر وباطن تربته) وحقها في الأنشطة الأخرى المرتبطة بالتنقيب والاستغلال الاقتصادي للمنطقة ، مثل إنتاج الطاقة المستمدة من المياه والتيارات ومن الرياح.
كما ينص مشروع القانون، على ”ممارسة إيطاليا لحقها في تركيب واستخدام الجزر الاصطناعية، البحث العلمي البحري وحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها”. إضافة إلى ”تطبيق القانون الإيطالي قوانين الاتحاد الأوربي والمعاهدات الدولية السارية في إيطاليا على الأجانب والسفن الأجنبية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة”.
وخلاصة القول، ستتجاوز إيطاليا مياهها الإقليمية إثر مصادقة برلمانها على مشروع إعلان المنطقة الاقتصادية الخالصة. هذا يعني أنه على الرغم من كونها مياه دولية، فإن روما ستكون قادرة على استغلال الموارد البحرية في نطاق أقصى يبلغ 200 ميل بحري.
منذ سنة بالضبط، يوم 19 نوفمبر 2019، وقعت حكومة طرابلس بالجارة الشرقية ليبيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا. وقبلها بسنة أعلنت الجارة الغربية الجزائر منطقتها البحرية الخالصة. وفي جوان الماضي وقعت الجارة الشمالية إيطاليا، اتفاقا لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان (في البحر الأيوني الذي يفصل البلدين المجاورين). وكل هذا يحلينا إلى السؤال الذي قد لا نجد له إجابة: أيـــــن تونـــــس من كل هذا!؟.
المياه الإقليمية التونسية في قلب المشروع
يعود ترسيم الحدود البحرية التونسية الإيطالية إلى معاهدة 20 أوت 1971، حيث اتفق البلدان على ترسيم حدود بحرية بينهما في الجرف القاري. وأرست المعاهدة حدوداً معقدة، في مضيق صقلية تمثل الحدود خطا متساوي المسافات معدّل بين صقلية وتونس. وتنتهي الحدود مباشرة قبل الخط متساوي المسافات بين مالطا والجزر الپلاجية الإيطالية (Isole Pelagie).
خلقت المعاهدة شبه جيب بحري حول جزيرة پانتلريا ”Pantelleria” الإيطالية (13 ميل بحري لمسافة نصف قطرية)، وشبه جيب آخر خُلق يضم أقواس متداخلة تبلغ 13 ميلاً بحرياً حول جزيرتي لينوسا (Linosa) ولامبيدوسا (Lampedusa) الإيطاليتين والتي تتقاطع أيضاً مع منطقة بطول 12 ميل بحري حول لامبيوني (Lampione). يتقاطع الجيبان مع المياه الإيطالية عند خط متساوي الأبعاد، ولكنها عدا ذلك محاطة بالمياه التونسية. أما النقطة القصوى غرباً لخط الحدود تشكل النقطة الثلاثية البحرية مع الجزائر.
لا تتوفر معطيات دقيقة حول المساحة البحرية التي ستوسّع فيها إيطاليا أنشطتها قبالة السواحل التونسية، لكن هناك معطيات شحيحة تم تداولها على صفحات نواب حركة خمسة نجوم الإيطالية صاحبة مشروع القانون. في 22 جويلية الماضي، بثّت ”يولاندا دي ستاسيو” (Iolanda Di Stasio) النائب عن الحركة المذكورة حوارا مباشرا على صفحتها بموقع فايسبوك، شارك فيه ”بينو كابراس” رئيس كتلة حركة خمسة نجوم، و”فابيو كافيو” و(Fabio Caffio) هو ضابط بحري متقاعد وخبير في القانون البحري الدولي وهو من أشد المنظرين لمشروع القانون ووالمدافعين عن التوجه البحري الجديد لإيطاليا.
ويزعم ”فابيو كافيو”، أن اتفاقية ترسيم الحدود الإيطالية التونسية 1971، تمت بقبول مطالب تونس التي استحوذت على المياه الإقليمية بالجرف القاري في ”بانتيليريا” مقابل التنازل أي مساحة إضافية في لامبيدوزا ولينوسا وتمكين إيطاليا من حدود بحرية قريبة جدا من جزيرة بيلاجي، وبهذه الطريقة قبلت إيطاليا لأسباب عرضية (ثم سمحت لإيطاليا بعد ذلك بالصيد لمدة ثماني سنوات في مياهها الإقليمية)، وفق ”كافيو”.
ويضيف الضابط المتقاعد: ”بدلاً من ذلك، كان بإمكاننا اقتسام المنطقة البحرية التي تعلو منطقة الصيد (في المياه الإقليمية التونسية)، مشددا على أن ”الموضوع سيطرح مجددا عندما يكون من الضروري إنشاء الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة”.
وتبيّن الخرائط أسفله، رغبة إيطالية، في توسيع الأنشطة البحرية داخل المياه الإقليمية التونسية، حيث يشير الوردي المتقطع أمام السواحل التونسية في الخرطية الأولى، الحدود المقترحة لتوسع النشاط الإيطالي في المياه التونسية، ويشر السهم في الخريطة الثانية التي أعدها الضابط الإيطالي المتقاعد ”كافيو” إلى منطقة الصيد التي تثير مطامع الإيطاليين ويقول إنها محل نزاع بين إيطاليا وتونس.