بيع قطع تراثية تونسية في باريس بالمزاد العلني
بعد إعلان إحدى دور البيع بالمزاد العلني في باريس عن اعتزامها تنظيم حصة بيع لمجموعة من القطع التراثية الشرقية ومن ضمنها عشرات القطع التونسية، أوضح عدنان منصر في تدوينة مطولة مدى قانونية هذا البيع، وأجاب عن أسئلة هل يمكن للدولة التونسية منع البيع والحصول، بالقضاء أو بالشراء، على هذه المعروضات؟ وهل أن كل هذه المعروضات متساوية من ناحية قيمتها التاريخية والتوصيف القانوني؟
وفي توضيحه، كتب منصر ”قبل الإجابة على هذه الأسئلة لنحاول معرفة أصل هذه القطع، كيف وصلت لدار العرض، وطبيعة العملية من ناحية قانونية. هذه القطع كما يذكر كتاب دار العرض هي في الأصل على ملك محمد الحبيب الجلولي، أحد كبار الموظفين التونسيين الذين تدرجوا في سلم الوظيف حتى أعلى الرتب الوزارية في حكومات البايات قبيل إعلان الجمهورية. بعض هذه القطع هي أملاكه الخاصة (الملابس، التحف، الخناجر، إلخ) وبعضها الآخر وصلت إليه من شخصيات أخرى من بينها بعض البايات (المنصف باي، الأمين باي) أو من مسؤولين آخرين، في حين أن قطعا أخرى بقيت في ممتلكاته الخاصة بحكم قوانين (الأوسمة والنياشين) أو بحكم وظيفته الإدارية (مراسلات رسمية تحمل الأختام الرسمية). لم ينجب السيد محمد الحبيب الجلولي من الأبناء الذكور سوى السيد أحمد الجلولي الذي توفي أعزبا منذ سنوات قليلة فقط (يجب أن نذكر أن المرحوم لم يبخل أبدا بالمساعدة على كل من قصده من الباحثين حيث كان رحمه الله شغوفا جدا بالمسائل التاريخية)، ما يعني أنه يبدو أن الورثة (من شقيقاته أو أبناء شقيقاته) قد تقاسموا الموجودات باعتبارها إرثا منقولا، وأن القطع المعروضة ربما بيعت لدار العرض، أو لشخص طلب وضعها للبيع في دار العرض، أو أنهم هم من طلب بيعها لحسابهم في دار العرض.””
وتابع ”أما المعروضات، فإنها إجمالا متباينة القيمة التاريخية، وإذا تناولناها من زاوية نظر ما تضبطه القوانين، فإنها تقع في معظمها في تصنيف الملكية الخاصة، بمعنى أنه قانونا لا شيء يمنع أن تباع كغيرها مما يباع، مع استثناء وحيد وهي المراسلات الرسمية التي تحمل أختام الدولة والتي لا يمكن التفريط فيها بأي صيغة كانت لأنها تبقى ملكية للدولة (عدد هذه المراسلات قليل جدا، وقيمتها التاريخية محدودة جدا). بالنسبة للمخطوطات (بعض أجزاء من القرآن الكريم بخط اليد يبدو أنها أهديت للمنصف باي، مع مخطوطات فقهية وأدبية أخرى)، ورغم قيمتها الفنية فإن تصنيفها كملكية خاصة ليس فيه أدنى شك”.
وإستدرك عدنان منصر في ورقته التفسيرية ”يبقى أن هناك إشكالا يتعلق بنيشانين حسينيين تحصل عليهما المرحوم محمد الحبيب الجلولي بصفة رسمية، أي عبر مرسومين قانونيين، من الدولة. هناك التباس في تصنيف النيشانين ملكية خاصة أو ملكية عامة. مبدئيا، النيشان ملك الدولة، يصدر بمرسوم (حاليا، رئيس الجمهورية هو السلطة الوحيدة التي تمنح الأوسمة والنياشين)، ولا قيمة قانونيا للوسام دون نص قانوني (هناك قانون كامل يفصل في الرتب والمقاييس والأصناف لا يزال ساريا). لكنه أيضا ملكية خاصة باعتبار أنه مرتبط باسم شخص تحصل عليه (المرسوم يذكر وجوبا الإسم والسبب الذي بموجبه منح الوسام أو النيشان)”.
وأضاف ”يأتي الإشكال هنا من كون الأمر يتعلق بنياشين منحتها سلطة ملكية لم تعد موجودة، وبأن هذه النياشين لا اعتراف بها في النصوص القانونية التونسية الحالية، ولكن يفترض أيضا أن الدولة الحالية هي وريثة الدولة الحسينية. في كل الحالات، ليس هناك نص قانوني يمكن الاستناد إليه حاليا لاسترداد هذه النياشين، وللمعلومة فإن بعضها يباع منذ سنوات حتى في أسواق تونسية، وإن كانت نياشين أقل قيمة. الموضوع هنا لا يتعلق بالقيمة القانونية للنياشين، بل بقيمتها التراثية. ولكن التراث تنظمه أيضا قوانين، وفي هذه الحالة تحديدا، لا قانون ينظم الموضوع”.
وفي خلاصته، أكد المنصر أنه وحسب القوانين السارية، ”فإن ما يمكن للدولة استرداده بصفته ملكية عامة، عبر مسار قضائي أو اتفاق ودي، هي المراسلات الرسمية. أما بقية الموجودات، فإن الحل المتاح الوحيد هو الشراء من الورثة أو من دار العرض. فيما عدا ذلك، فإن الأمر يتعلق بملكية خاصة، منقولات وقع توريثها لا أكثر ولا أقل، بغض النظر عن قيمتها التاريخية أو المعنوية”.