إقتصاد

البنك الدولي يبرىء إتحاد الشغل من “تبريك” الإقتصاد ويورّط هؤلاء..

أصدر البنك الدولي “شهادة براءة الذمة” لفائدة الحراك الاجتماعي في تونس عن مسؤوليته في تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتدهور مناخ الأعمال محملا مسؤولية ذلك للبنك المركزي وسياسته النقدية المتشددة التي يتبعها بمقتضى القانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 أفريل 2016 يتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي.

وجاءت شهادة براءة الذمة في تقرير للبنك الدولي أنجزه بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية والبنك الأوروبي للاستثمار صادر بتاريخ 17 سبتمبر 2020 حول سبر اراء رؤساء المؤسسات التونسية الخاصة الناشطة في قطاعي الصناعات المعملية والخدمات بخصوص العوائق التي تحول دون تطوير الاستثمار والإنتاجية والابتكار. وقد شملت العينة 615 مؤسسة وغطت الفترة من شهر سبتمبر 2019 الى شهر جويلية 2020.

وقد شخصت العينة من المؤسسات 15 عائق أمام تطور مناخ الأعمال في تونس لا يوجد ضمنها لا الإضرابات ولا الاحتجاجات الاجتماعية كما تعمل على تسوقيه كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.

ورصد التقرير العوائق العشر الأساسية التي كشف عنها رؤساء المؤسسات وجاء في مقدمتها صعوبة النفاذ الى التمويل البنكي وارتفاع كلفة الاستثمار بسبب ارتفاع نسبة الفائدة المديرية، يليها الفساد ثم عدم الاستقرار السياسي والاقتصاد الموازي فعدم ملائمة التعليم مع حاجيات سوق الشغل.

ومن العوائق التي كشف عنها رؤساء المؤسسات نجد أيضا العوائق الجمركية ثم التراخيص الإدارية فالسياسة الجبائية وقانون الشغل والإجراءات الإدارية.

ما أثار الاستغراب في النتائج التي أفرزتها عملية سبر آراء رؤساء المؤسسات وخاصة المؤسسات الناشطة في قطاع الصناعات المعملية ذات الكثافة التشغيلية العالية على غرار قطاع النسيج والملابس والجلود والاحذية أن الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية لم ترد في قائمة العوائق العشر ولا الخمسة عشر في الوقت الذي نجحت الحكومات، نسبيا، في ترسيخ قناعة لدى الراي العام الوطني بأن الإضرابات شلت النشاط الاقتصادي وعطلت الاستثمار ونفرت المستثمر الأجنبي من الساحة الاقتصادية التونسية. مغالطات عملت السلط التونسية وجزء من وسائل الاعلام على ترويجها وصلت الى درجة شيطنة المنظمة الشغيلة وتحميلها مسؤولية الانكماش الاقتصادي الذي عمقته جائحة كورونا.

لقد كشف هذا التقرير الذي أنجزته مؤسسة مالية دولية بالتعاون مع مؤسستين ماليتين اقليميتين حجم المغالطات التي تعمل السلط التونسية على ترويجها لتغطية حقيقة الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي انخرطت فيها بالتواطؤ مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي ترمي الى تفكيك الدولة الوطنية وزعزعة الثقة في الاتحاد العام التونسي للشغل الذي بقي الحصن الأخير للطبقة الشغيلة وعموم التونسيين، في غياب الأحزاب، للاحتماء به والتصدي لسياسة تدمير الاقتصاد الذي مهدت له جميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بلغت ذروتها مع حكومة يوسف الشاهد الذي مرر ترسانة قانونية فتحت كل الأبواب أمام المستثمر الأجنبي للاستيلاء على المؤسسات العمومية والأراضي الفلاحية والثروات البحرية والغابات وعلى موروثنا البيولوجي والثقافي…

تحميل مسؤولية انهيار الاقتصاد التونسي للطبقة الشغيلة وللتحركات الاجتماعية المطالبة بحق الشغل والحياة الكريمة ليست المغالطة الوحيدة التي تروجها السلط التونسية للتغطية على فشل الخيارات والسياسات، ان وجدت، فهي قطرة من بحر المغالطات التي اخترقت عقل التونسيين منذ سبعينات القرن الماضي الى اليوم تحت غطاء برامج الإصلاحات الهيكلية التي تأخذ من اختلال التوازنات المالية الداخلية المرتبطة بعجز ميزانية الدولة، والخارجية المتعلقة بعجز الميزان التجاري مدخلا لاختراق الأسس الهيكلية للمجتمع تحت غطاء المساعدة الفنية والمالية لوضع قوانين تضرب منظومات الإنتاج وسيادتنا الاقتصادية والمالية والثقافية.

في هذا السياق يأتي اصدرا قانون النظام الأساسي للبنك المركزي الذي تعهدت به الدولة التونسية تجاه صندوق النقد الدولي في رسالة النوايا الأولى التي وقعها محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري ووزير المالية أنذاك الياس الفخفاخ في فيفري 2013 للحصول على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار، الى جانب التعهد برسملة البنوك العمومية الثلاثة ( ضخ أموال دافعي الضرائب لتعزيز وضعيتها المالية) تمهيدا لخصخصتها، ورفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، والتحكم في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية، والمصادقة على قانون استثمار يفتح كل الأبواب أمام المستثمر الأجنبي والشركات العالمية…

في ظل هذه النتائج التي ترفع الستار عن حقائق خطيرة، تبقى الدراسات وعمليات سبر الآراء من الاليات التي تشكل بوصلة للشعب وللمنظمات المهنية والنقابية والسلطة التشريعية لتحديد التوجهات والخيارات الاستراتيجية وتقييم التجارب السابقة. وفي غياب ذلك تسقط البلاد في قبضة اللوبيات والعائلات النافذة والمؤسسات المالية الدولية الراعية لمصالح الشركات العالمية والاتحاد الأوروبي الذي تحركه القوى الاستعمارية السابقة لتكريس هيمنتها على مستعمراتها القديمة مرة تحت عباءة حقوق الانسان ومرة تحت جلباب الوقوف الى جانب الانتقال الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى